قد يكون العنوان غريب بعض الشئ.. فما العلاقة بين الفكر النسوي وكورونا؟ ولكن بقراءة شئ من أدبيات التنظير النسوي تتبدد الحيرة. ومع جائحة كورونا تأمل الكثيرات منا في أن تثوب النسويات إلى رشدهن بعد تنظير ومأسسة لهذا الفكر على مدار عقدين، ولم يرجعن إلا بخفي حنين.
جاء فيروس كورونا لينبه المرأة أن الرجل ليس هو العدو، وإنما هو الشق الآخر الذي عليها أن تتكاتف معه لصد أية بلاء، فالبلاء حين يقع لايفرق بين رجل وامرأة، كما حدث مع مفاعل تشيرنوبل الروسي، لم تتنتظر الرياح الملوثة حينها كي تستأذن لتدق على باب المرأة تاركة الرجل أو العكس، بل أصابت كليهما. كذلك الحال مع فيروس كورونا الحالي، لم يكتف بالإناث دون الذكور، بل هاجم بشراسة كلا الجنسين، وهذا يمثل دعوة صادقة للنسويات إن كن بحق نصيرات للمرأة - كما يدعين - أن يُعدن النظر في منطلقاتهن الفكرية!
النسوية وصراع الجنسين

تنظر النسويات على اختلاف تياراتهن ومذاهبهن الفكرية إلى الرجل على أنه مسئول مسئولية كاملة عن معاناتهن، ومن ثم أعلن عن عدائهن للرجال، مع تباين نسبة العداء وأسلوب إدارة الصراع، وزعمن أن الرجل قد اختلق فكرة تقسيم الأدوار كي (يزيف وعي المرأة)، ويقنعها بأن دورها هو (إعـادة إنتاج الـعنصر البشـري)، أي الحمل والإنجاب، فتقنع بالمجال الخاص (الأسرة)، بدعوى أنها مؤهلة له؛ لأنه يتفق مع تكوينها البيولوجي، وينطلق هو للعمل في المجال العام (الخارج) بما يضمن له السيطرة عليها، عن طريق التحكم في الموارد الاقتصادية فيحظى بمكانة عالية؛ لأنه يعمل في الخارج (المجال العام)، بينما المرأة (مهمشة)، وفي وضع دوني؛ بسبب عملها في الأسرة (المجال الخاص). [1]
وصار الصراع بين الذكر والأنثى محور ارتكاز كافة الأطروحات النسوية، بعد أن جردن المرأة من سياقها الاجتماعي، وسعين لأن تكون للمرأة أيديولوجيتها الخاصة بها، فكافة المعارف والأنظمة واللغات والأديان.. ذكورية وفقًا للرؤية النسوية!
ولتجاوز ما عدته النسويات (ظلمًا ذكوريًّا).. عمدن إلى صياغة نظرية سياسية تشدد على توحيد الأدوار وتبادلها بين الجنسين، بغض النظر عن أي فوارق بيولوجية. ولم يردع النسويات الإحصاءات الصادمة لاستغلال المرأة كعاملة بأجر زهيد، ولا تستطيع الاعتراض وإلا فالتهديد بأن يتم استبدالها بأخريات، أو استغلالها بتسليعها هي ذاتها، أي تحويل جسدها وجمالها وفتنتها إلى سلعة في التجارة بأنواعها المشروعة وغير المشروعة.
العدو الحقيقي

ورغم كل هذه الثمار المرة تتجاهل النسويات مكمن الصراع الحقيقي.. فالرجل ليس هو العدو، وإنما هذا الصراع المزيف للفت الأنظار بعيداً عن العدو الحقيقي، حيث الصراع على الهيمنة على الشعوب برجالها ونسائها، فالفيروس القاتل قد يكون إحدى حلقات الصراع بين القطب الأوحد والتنين الصاعد بسرعة الصاروخ. حيث ذھب سياسیون في الولایات المتحدة والصین إلى أن الفیروس التاجي (SARS-CoV-2) الذي یتسبب في وباء كورونا (COVID-19) قد یكون في الواقع سلاحًا بیولوجیًا تم تصنیعه في المختبر. [2]
أيضاً يتم تأجيج هذا الصراع وإثارته من حين لآخر، حتى تنشغل المجتمعات عن العدو الذي ينبغي توحيد الجهود وتكاتف الشقين (الذكر والأنثى) لمواجهته، وهو ثالوث: الفقر والمرض والجهل، الناجم عن استنزاف ثرواتها لقرون عديدة من احتلال واستغلال لمقدراتها.
ثمة حقيقة هامة لو أدركها الجميع لاستراح ونهض بمهام الاستخلاف وإعمار الأرض، دونما معارك فكرية أو صراعات حياتي، وهي: أن البشرية جميعها تنتمي إلى نفس واحدة خلق الله منها زوجها. فلا فارق بين المرأة والرجل فى الأصل والفطرة، كل منهما إنسان خلـق لإنسان، وشطر مكمل لشطر، وسكن للآخر، وهما ليسا فردين متماثلين بل زوجين متكاملين.
وقد لخص مراد هوفمان مكانة المرأة بالنسبة إلى الرجل في كلمات قلائل بأنها: "المساواة في الكرامة مع اختلاف في الأعباء، والمساواة في المكانة مع اختلاف في الأدوار، والمساواة في القيمة مع اختلاف في القدرات". [3]
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1]، فالآية تساوي بين الذكر والأنثى في الخلق: أصله وأطواره، كما ساوت بينهما في الصورة والملامح والأعضاء، إلا فيما يخص التناسل؛ لأن في هذا عمارة الأرض، كما أصلت الآية - ليس فقط - لوحدة الذكر والأنثى وضرب فكرة التمييز والمفاضلة بين شقي الإنسانية، بل أشارت إلى وحدة البشرية، فالخالق لم يخلق رجالاً كثيراً ونساء، ثم زوجهم فكانوا أسراً شتى لا رحم بينها، بل جعل انطلاق الحياة البشرية كلها من أسرة واحدة، ثم كان البث من الرجل والمرأة الوحيدين لرجال كثير ونساء.
فالجميع نفس واحدة، وطبيعة واحدة وفطرة واحدة، ثم جاء التنوع فى خصائص البشر واستعداداتهم آية على إرادة إلهية مطلقة، حيث يتولد من أصل واحد تنوع دائم التجدد، بحيث لا يتماثل شخصان أبداً، لا فى الزمان ولا المكان. [4]
أما الصراع فلن تستقيم به الحياة الإنسانية، بل سيظل اضطرابها، طالما كانت علاقة الجنسين غير مستقرة، وفي صراع دائم.
_______________
* المصدر: موقع مجلة المجتمع 16/4/2020.
[1] اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، "مصطلح التمكين"، سلسلة توعوية في قضايا المرأة المعاصرة (6)، السعودية: كرسي أبحاث المرأة السعودية بجامعة الملك سعود، 1434هـ - 2013م، ص16. ولمزيد من التفاصيل عن هذا الوعي الزائف ،انظر: سوزان موللر أوكين، "النساء في الفكر السياسي الغربي"، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، القاهرة، المشروع القومي للترجمة، ص 334، 335.
[2] لمزيد من التفاصيل حول تبادل الاتهامات، وكيف تم تصنيعه، انظر: جهاد عودة، كورونا وصناعة الوباء الطبيعي العالمي، 22 مارس 2020، موقع صدى البلد.
[3] مراد هوفمان، يوميات ألماني مسلم، ص214، نقلاً عن: خولة درويش، "أولويات المرأة المسلمة"، الأردن: دار المعالي، 2006، ص10.
[4] السيد عمر، الرؤيتان المعرفيتان للاقتصاد الاسلامي والاقتصاد الوضعي، ضمن: مؤتمر الاقتصاد الإسلامى والاقتصاد الوضعى: الفلسفة والنظام، القاهرة، مركز البحوث والمعلومات بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، ومركز الدراسات المعرفية، 2005، ص22.